فصل: العارية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.شروط الموكل فيه:

ويشترط في الموكل فيه أن يكون معلوما للوكيل أو مجهولا جهالة غير فاحشة، إلا إذا أطلق الموكل كأن يقول له: اشتر لي ما شئت، كما يشترط فيه أن يكون قابلا للنيابة.
ويجري ذلك في كل العقود التي يجوز للانسان أن يعقدها لنفسه: كالبيع والشراء والاجارة وإثبات الدين والعين والخصومة والتقاضي والصلح وطلب الشفعة والهبة والصدقة والرهن والارتهان والاعارة والاستعارة والزواج والطلاق وإدارة الأموال، سواء أكان الموكل حاضرا أم غائبا وسواء أكان رجلا أم امرأة.
روي البخاري عن أبي هريرة قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال: أعطوه، فطلبواله سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها. فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفى الله لك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن خيركم أحسنكم قضاء».
قال القرطبي: فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه وذلك توكيل منه لهم على ذلك، ولم يكن النبي، صلى الله عليه وسلم، مريضا ولا مسافرا، وهذا يرد قول أبي حنيفة وسحنون في قولهما: إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح البدن إلا برضاء الخصم، وهذا الحديث خلاف قولهما.

.ضابط ما تجوز فيه الوكالة:

وقد وضع الفقهاء ضابطا لما تجوز فيه الوكالة فقالوا: كل عقد جاز أن يعقده الإنسان لنفسه جاز أن يوكل به غيره، أما ما لا تجوز فيه الوكالة، فكل عمل لا تدخله النيابة، مثل الصلاة والحلف والطهارة، فإنه لا يجوز في هذه الحالات أن يوكل الإنسان غيره فيها لأن الغرض منها الابتلاء والاختبار وهو لا يحصل بفعل الغير.

.الوكيل أمين:

ومتى تمت الوكالة كان الوكيل أمينا فيما وكل فيه فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، ويقبل قوله في التلف كغيره من الأمناء.

.التوكيل بالخصومة:

ويصح التوكيل بالخصومة في إثبات الديون والاعيان وسائر حقوق العباد، سواء أكان الموكل مدعيا أم مدعى عليه، وسواء أكان رجلا أم امرأة، وسواء رضي الخصم أم لم يرض، لأن المخاصمة حق خالص للموكل، فلهأن يتولاه بنفسه وله أن يوكل عنه غيره فيه، وهل يملك الوكيل بالخصومة الاقرار على موكله؟ وهل له الحق في قبض المال الذي يحكم به له؟ والجواب عن ذلك نذكره فيما يلي: إقرار الوكيل على موكله: إقرار الوكيل على موكله في الحدود والقصاص لا يقبل مطلقا، سواء أكان بمجلس القضاء أم بغيره.
وأما إقراره في غير الحدود والقصاص، فإن الائمة اتفقوا على أنه لا يقبل في غير مجلس القضاء، واختلفوا فيما إذا أقر عليه بمجلس القضاء فقال الائمة الثلاثة: لا يصح، لأنه إقرار فيما لا يملكه، وقال أبو حنيفة: يصح إلا إن شرط عليه ألا يقر عليه.

.الوكيل بالخصومة ليس وكيلا بالقبض:

والوكيل بالخصومة ليس وكيلا بالقبض، لأنه قد يكون كفئا للتقاضي والمخاصمة ولا يكون أمينا في قبض الحقوق، وهذا ما ذهب إليه الائمة الثلاثة، خلافا للاحناف الذين يرون أن له قبض المال الذي يحكم به لموكله، لأن هذا من تمام الخصومة ولا تنتهي إلا به، فيعتبر موكلا فيه.

.التوكيل باستيفاء القصاص:

ومما اختلف العلماء فيه التوكيل باستيفاء القصاص، فقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا إذا كان الموكل حاضرا، فإذا كان غائبا فإنه لا يجوز لأنه صاحب الحق، وقد يعفو لو كان حاضرا فلا يجوز استيفاء القصاص مع وجود هذه الشبهة، وقال مالك: يجوز ولو لم يكن الموكل حاضرا.
وهذا أصح قولي الشافعي، وأظهر الروايتين عن أحمد.

.الوكيل بالبيع:

ومن وكل غيره ليبيع له شيئا وأطلق الوكالة فلم يقيده بثمن معين ولا أن يبيعه معجلا أن مؤجلا فليس له أن يبيعه إلا بثمن المثل ولا أن يبيعه مؤجلا، فلو باعه بما لا يتغابن الناس بمثله أو باعه مؤجلا لم يجز هذا البيع إلا برضا الموكل، لأن هذا يتنافي مع مصلحته فيرجع فيه إليه، وليس معنى الاطلاق أن يفعل الوكيل ما يشاء، بل معناه الانصراف إلى البيع المتعارف لدى التجار وبما هو أنفع للموكل، قال أبو حنيفة: يجوز أن يبيع كيف شاء نقداأو نسيئة، وبدون ثمن المثل وبما لا يتغابن الناس بمثله وبنقد البلد وبغير نقده، لأن هذا هو معنى الاطلاق.
وقد يرغب الإنسان في التخلص من بعض ما يملك ببيعه ولو بغبن فاحش.
هذا إذا كانت الوكالة مطلقة، فإذا كانت مقيدة فإنه يجب على الوكيل أن يتقيد بما قيده به الموكل، ولايجوز مخالفته إلا إذا خالفه إلى ما هو خير للموكل، فإذا قيده بثمن معين فباعه بأزيد، أو قال بعه مؤجلا فباعه حالا صح هذا البيع.
فإذا لم تكن المخالفة إلى ما هو خير للموكل كان تصرفه باطلا عند الشافعي، ويرى الأحناف أن هذا التصرف يتوقف على رضا الموكل فإن أجازه صح وإلا فلا.

.شراء الوكيل من نفسه لنفسه:

وإذا وكل في بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟.
قال مالك: للوكيل أن يشتري من نفسه لنفسه بزيادة في الثمن.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في أظهر روايتيه: لا يصح شراء الوكيل من نفسه لنفسه، لأن الإنسان حريص بطبعه على أن يشتري لنفسه رخيصا، وغرض الموكل الاجتهاد في الزيادة، وبين الغرضين مضادة.

.التوكيل بالشراء:

الوكيل بالشراء إن كان مقيدا بشروط اشترطها الموكل وجب مراعاة تلك الشروط، سواء أكانت راجعة إلى ما يشترى أو إلى الثمن، فإن خالف فاشترى غير ما طلب منه شراؤه، أو اشترى بثمن أزيد مما عينه الموكل كان الشراء له دون الموكل، فإن خالف إلى ما هو أفضل جاز، فعن عروة البارقي، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعطاه دينارا يشتري به ضحية أو شاة، فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابا لربح فيه رواه البخاري وأبو داود والترمذي.
وفي هذا دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك: اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشتري به شاتين بالصفة المذكورة، لأن مقصود الموكل قد حصل، وزاد الوكيل خيرا، ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو أن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم.
وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادة الروضة وإن كانت الوكالة مطلقة فليس للوكيل أن يشتري بأكثر من ثمن المثل أو بغبن فاحش، وإذا خالف كان تصرفه غير نافذ على الموكل ووقع الشراء للوكيل نفسه.

.انتهاء عقد الوكالة:

ينتهي عقد الوكالة بما يأتي:
1- موت أحد المتعاقدين أو جنونه، لأن من شروط الوكالة الحياة والعقل، فإذا حدث الموت أو الجنون فقد فقدت ما يتوقف عليه صحتها.
2- إنهاء العمل المقصود من الوكالة، لأن العمل المقصود إذا كان قد انتهى فإن الوكالة في هذه الحال تصبح لا معنى لها.
3- عزل الموكل للوكيل ولو لم يعلم.
ويرى الأحناف: أنه يجب أن يعلم الوكيل بالعزل، وقبل العلم تكون تصرفاته كتصرفاته قبل العزل في جميع الاحكام.
4- عزل الوكيل نفسه. ولا يشترط علم الموكل بعزل نفسه أو حضوره، والأحناف يشترطون ذلك حتى لا يضار.
5- خروج الموكل فيه عن ملك الموكل.

.العارية:

.تعريفها:

العارية عمل من أعمال البر التي ندب إليها الإسلام ورغب فيها.
يقول الله سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوي ولا تعاونوا على الاثم والعدوان}.
وقال أنس، رضي الله عنه: كان فزع بالمدينة فاستعار النبي، صلى الله عليه وسلم، فرسا من أبي طلحة يقال له: المندوب، فركبه فلما رجع قال: «ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا».
وقد عرفها الفقهاء بأنها إباحة المالك منافع ملكه لغيره بلا عوض.

.بم تنعقد:

وتنعقد بكل ما يدل عليها من الاقوال والافعال.

.شروطها:

ويشترط لها الشروط الآتية:
1- أن يكون المعير أهلا للتبرع.
2- أن تكون العين منتفعا بها مع بقائها.
3- أن يكون النفع مباحا.

.إعارة الاعارة وإجارتها:

ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن المستعير له إعارة العارية وإن لم يأذن المالك إذا كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل.
وعند الحنابلة أنه متى تمت العارية جاز للمستعير أن ينتفع بها بنفسه أو بمن يقوم مقامه، إلا أنه لا يؤجرها ولا يعيرها إلا بإذن المالك.
فإن أعارها بدون إذنه فتلفت عند الثاني فللمالك أن يضمن أيهما شاء، ويستقر الضمان على الثاني لأنه قبضها على أنه ضامن لها وتلفت في يده، فاستقر الضمان عليه، كالغاصب من الخاصب.

.متى يرجع المعير:

وللمعير أن يسترد العارية متى شاء، ما لم يسبب ضررا للسمتعير.
فإن كان في استردادها ضرر بالمستعير أجل حتى يتقي ما يتعرض له من ضرر.

.وجوب ردها:

ويجب على المستعير أن يرد العارية التي استعارها بعد استيفاء نفعها لقول الله سبحانه: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
وعن أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «أد الأمانة إلى من أئتمنك ولا تخن من خانك».
أخرجه أبو داود، والترمذي وصححه، والحاكم وحسنه.
وروى أبو داود والترمذي وصححه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العارية مؤداة».
إعارة ما لا يضر المعير وينفع المستعير: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يمنع الإنسان جاره من غرز خشبة في جداره ما لم يكن في ذلك ضرر يصيب الجدار.
فعن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لايمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره».
قال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين، والله لارمين بها بين أكتافكم. رواه مالك.
واختلف العلماء في معنى الحديث، هل هو على المندب إلى تمكين الجار من وضع الخشب على جدار جاره أم على الايجاب.
وفيه قولان للشافعي وأصحاب مالك، أصحهما في المذهبين الندب، وبه قال أبو حنيفة والكوفيون، والثاني الايجاب وبه قال أحمد وأبو ثور وأصحاب الحديث وهو ظاهر الحديث، ومن قال بالندب قال: ظاهر الحديث أنهما توقفوا عن العمل، فلهذا قال: مالي أراكم عنها معرضين.
وهذا يدل على أنهم فهموا منه الندب لا الايجاب، ولو كان واجبا لما أطبقوا على الأعراض عنه. والله أعلم.
ويدخل في هذا كل ما ينتفع به المستعير ولاضرر فيه على المعير، فإنه لا يحل منعه وإذا منعه صاحبه قضى الحاكم به.
لما رواه مالك عن عمر بن الخطاب أن الضحاك ابن قيس ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد - فقال له الضحاك: أنت تمنعني وهو لك منفعة - تسقي منه أولا وآخرا ولا يضرك؟ فأبى محمد.
فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، قال محمد: لا، فقال عمر: لا تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرك، فقال محمد: لا - فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به - ففعل الضحاك.
ولحديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: كان في حائط جدي ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد أن يحوله إلى ناحية من الحائط فمنعه صاحب الحائط.
فكلم عمر بن الخطاب - فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي ثور وداود وجماعة أهل الحديث.
ويرى أبو حنيفة ومالك: أنه لا يقضي بمثل هذا، لأن العارية لا يقضى بها.
والأحاديث المتقدمة ترجح الرأي الأول.